الشيخ جمال فراج يكتب..لغة القرآن والحفاظ على الهوية .. في خطبة الجمعة
عناصر الخطبة
أولًا: اختلافُ الألسنِ واللغاتِ من آياتِ الله تعالى. ثانيًا: شموليةُ اللغةِ العربيةِ لعلومِ الدينِ. ثالثًا: دعوةٌ إلى الحفاظِ على الهويةِ.
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:
أولًا: اختلافُ الألسنِ واللغاتِ من آياتِ الله تعالى.
لقد خلقَ اللهُ تعالى الناسَ وجعلَ اختلافَ ألسنَتِهِم ولغاتِهِم آيةً كونيةً مِن آياتِ اللهِ تعالى. فقالَ: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} (الروم:22). يقولُ الإمامُ ابنُ كثيرٍ – رحمَهُ اللهُ تعالى – :”يعنِي: اللغات، فهؤلاء بلغةِ العربِ، وهؤلاء كرجٌ، وهؤلاء رومٌ، وهؤلاء إفرنجٌ، وهؤلاء بربرٌ، وهؤلاء حبشةٌ، وهؤلاء هنودٌ، وهؤلاء عجمٌ، وهؤلاء صقالبةٌ، وهؤلاء خزرٌ، وهؤلاء أرمنٌ، وهؤلاء أكرادٌ، إلى غيرِ ذلك مما لا يعلمهُ إلا اللهُ مِن اختلافِ لغاتِ بني آدمَ، {إنّ في ذلك لآياتٍ للعالمين}.”أ.هـ
ومِن أفضلِ هذه اللغاتِ (اللغةُ العربيةُ)، حيثُ حظيتْ بمكانةٍ وأهميةٍ عُظمَى في الإسلامِ، وكفى بها شرفًا وفخرًا أنّها لغةُ القرآنِ الكريمِ، قالَ تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (يوسف: 2). وقال – عزّ وجلّ -: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}.0 فصلت: 3). وقال جلّ ذكرهُ: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} (الشورى: 7). إلى غيرِ ذلكَ مِن الآياتِ التي تشيدُ بعربيةِ القرآنِ الكريمِ.
وإذا كان اللهُ تعالى اصطفىَ مِن الملائكةِ جبريلَ ، ومن الرسلِ محمدًا ﷺ، ومن الشهورِ شهرَ رمضان ، ومن الأيامِ يومَ الجمعةِ، ومن الليالي ليلةَ القدرِ، فإنّ اللهَ – سبحانَهُ وتعالى – اختارَ لأمةِ محمدٍ ﷺ أفضلَ اللغاتِ وهي العربيةُ، يقولُ الإمامُ ابنُ كثيرٍ – في تفسيرهِ – معللًا لاختيارِ العربيةِ لغةً للقرآنِ الكريمِ: « وذلك لأنّ لغةَ العربِ أفصحُ اللغاتِ وأبينُهَا وأوسعُهَا، وأكثرُهَا تأديةً للمعاني التي تقومُ بالنفوسِ؛ فلهذا أُنزلَ أشرفُ الكتبِ بأشرفِ اللغاتِ، على أشرفِ الرسلِ، بسفارةِ أشرفِ الملائكةِ، وكان ذلك في أشرفِ بقاعِ الأرضِ، وابتُدِئَ إنزالُهُ في أشرف شهورِ السنةِ وهو رمضانُ، فَكَمُلَ من كلِّ الوجوهِ، ولهذا قالَ تعالى: {نحنُ نقصُّ عليكَ أحسنَ القصصِ بما أوحينَا إليكَ هذا القرآنَ} بسببِ إيحائِنَا إليكَ هذا القرآنَ».أ.هـ
ويقولُ الفراءُ -رحمهُ اللهُ-: «وجدنَا للغةِ العربِ فضلًا على لغاتِ جميعِ الأممِ اختصاصًا من اللهِ تعالى، وكرامةً أكرمَهُم بها، ومِن خصائِصِهَا أنّهُ يوجدُ فيهَا مِن الإيجازِ ما لا يوجدُ في غيرِهَا مِن اللغاتِ». (صبح الأعشى).
ويقولُ الإمامُ الشافعيُّ – رحمَهُ اللهُ -: ” لسانُ العربِ أوسعُ الألسنةِ مذهبًا، وأكثرُهَا ألفاظًا “. ( الرسالة).
لذلك يجبُ على كلِّ مسلمٍ أنْ يحبَّ هذه اللغةَ؛ لأنّهَا لغةُ القرآنِ؛ ولأنَّ حبَّهَا مِن حبِّ اللهِ ورسولهِ .
يقولُ الثعالِبيٌّ –رحمهُ اللهُ-:” مَن أحبَّ اللهَ أحبَّ رسولَهُ ﷺ، ومَن أحبَّ النبيَّ العربيَّ أحبَّ العربَ، ومَن أحبَّ العربَ أحبَّ العربيةَ التي بها نزلَ أفضلُ الكتبِ على أفضلِ العجمِ والعربِ”. (فقه اللغة وسر العربية).
إنّ اللغةَ العربيةَ لها مذاقٌ لغويٌّ سحريٌّ عجيبٌ . يقولُ مصطفىَ صادقُ الرافعيُّ – رحمَهُ اللهُ – : ” إنَّ هذه العربيةَ بُنيتْ على أصلٍ سحريٍّ يجعلُ شبابَهَا خالدًا عليهَا فلا تهرمُ ولا تموتُ، لأنّهَا أُعدتْ مِن الأزلِ فَلكًا دائِرًا للنيِّرينِ الأرضيينِ العظيمينِ. كتابِ اللهِ وسنةِ رسولِ اللهِ ﷺ، ومِن ثَمَّ كانتْ فيها قوةٌ عجيبةٌ مِن الاستهواءِ كأنّها أخذةُ السحرِ “. ( تحت راية القرآن ) .
وهكذا كانتْ اللغةُ العربيةُ لغةُ القرآنِ الكريمِ لهَا أهميتُهَا ومكانتُهَا بينَ اللغاتِ الأخرى .
ثانيًا: شموليةُ اللغةِ العربيةِ لعلومِ الدينِ.
إنّ للغةِ العربيةِ علاقةً قويةً بعلومِ الدينِ كلِّهَا، فلا يستطيعُ مفسرٌ أو محدثٌ أو فقيهٌ أو أصوليٌّ أنْ يتكلمَ في علمِهِ دونَ أنْ يكونَ عالمًا باللغةِ العربيةِ ودلالةِ ألفاظِهَا، لذلك كَثُرتْ أقوالُ العلماءِ في هذا الشأنِ.
يقولُ الفخرُ الرازيُّ:” اعلمْ أنّ شرطَ الاجتهادِ أنْ يكونَ المكلفُ عارفًا بمقتضىَ اللفظِ ومعناه؛ لأنّهُ لو لم يكنْ كذلكَ لم يُفهَمْ منهُ شيئٌ، ولمَّا كان اللفظُ قد يفيدُ معناهّ لغةً وعرفًا وشرعًا وجبَ أنْ يعرفَ اللغةَ والألفاظَ العرفيةَ والشرعيةَ” ( المحصول ). ويقولُ الإمامُ الشافعيُّ – رحمَهُ اللهُ -: “على كلِّ مسلمٍ أنْ يتعلَّمَ من لسانِ العربِ ما بلغهُ جُهدهُ حتى يشهدَ بهِ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأنّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، ويتلو به كتابَ اللهِ تعالى، وينطِقُ بالذِّكر فيما افتُرِضَ عليهِ مِن التكبيرِ، وأُمِرَ بهِ مِن التسبيحِ والتشهُّدِ وغيرِ ذلك “. (الرسالة) .
” وقال عبدُالملكِ بنُ مروانٍ لبنِيه: يا بنيَّ أصلحُوا من ألسنتِكُم، فإنّ الرجلَ تنوبُهُ النائبةُ فيستعيرُ الدابّةَ والثيابَ، ولا يقدرُ أنْ يستعيرَ اللّسانَ ، وجمالُ الرجلِ فصاحتُهُ”.( الرسائل الأدبية للجاحظ ).
ويقولُ الفارابيُّ –رحمَهُ اللهُ-:” القرآنُ كلامُ اللهِ وتنزيلُهُ، فَصّلَ فيهِ مصالحَ العبادِ في معاشِهِم ومعادِهِم، ممَّا يأتُونَ ويَذَرُونَ، ولا سبيلَ إلى علمِهِ وإدراكِ معانيهِ إلّا بالتبحرِ في علمِ هذه اللغةِ”.( المزهر في علوم اللغة- للسيوطي).
ومنعُوا غيرَ العالمِ بالعربيةِ المتقنِ لها مِن القولِ في الشريعةِ، يقولُ الشاطبيُّ – رحمَهُ اللهُ -: « على الناظرِ في الشريعةِ والمتكلمِ فيها أصولًا وفروعًا، أنْ لا يتكلمَ في شيءٍ من ذلك حتى يكونَ عربيًا أو كالعربيِّ في كونهِ عارفًا بلسانِ العربِ، بالغًا فيه مبالغَ العربِ » . (الاعتصام) .
وذلك لأنَّ معرفةَ الدِّينِ فرضٌ واجبٌ، وما لا يتمُّ الواجبُ إلَّا بهِ فهو واجبٌ، والإسلامُ لا يُفهمُ إلَّا بفهْمِ العربيةِ.
ومِن فقهِ السلفِ أنّهُم كانـوا يرونَ اللغةَ العربيةَ مِن الدينِ، « فقد كان أبو عَمْرٍو بنُ العلاءِ يَعُدُّ العربيةَ مِن الدينِ لا تنفصلُ عنه ولا ينفصلُ عنها، فبلغَ ذلك عبدُ اللهِ بنُ المباركِ فقال: صدقَ».
ويقولُ السيوطيُّ – رحمَهُ اللهُ -׃ ” ولا شكَّ أنَّ علمَ اللغةِ مِن الدينِ؛ لأنّهُ مِن الفروضِ الكفاياتِ، وبهِ تُعرفُ معانِي ألفاظِ القرآنِ والسنةِ”. (المزهر في علوم اللغة وأنواعها). لذلكَ قالَ عمرُ بنُ الخطابِ – رضي اللهُ عنه -: « تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ فَإِنَّهَا تُثَبِّتُ الْعَقْلَ، وَتَزِيدُ فِي الْمُرُوءَةِ ». (شعب الإيمان للبيهقي).
إذن فاللغةُ العربيةُ لهَا صلةٌ وعلاقةٌ وثيقةٌ بكلِّ علومِ القرآنِ والسنةِ، فهي تساعدُ على التفسيرِ وفهمِ النصوصِ واستخراجِ الأحكامِ منها. ومِن ذلكَ ما ” روي عن ابنِ عباسٍ أنّهُ قال: ما عرفتُ ما فاطرُ السماواتِ والأرضِ، حتى أتاني أعرابيانِ يختصمانِ مِن بئرٍ، فقالَ أحدهُمَا: أنا فطرتُهَا، أي ابتدعتُهَا”. (تفسير ابن كثير).
” ورويَ عن الأصمعيِّ قال: كنتُ أقرأُ سورةَ المائدةِ ومعي أعرابيٌّ، فقرأتُ هذه الآيةَ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } .(المائدة: 38). فقلتُ: ” واللهُ غفورٌ رحيمٌ ” سهوًا، فقال الأعرابيُّ: كلامُ مَن هذا؟ فقلتُ: كلامُ اللهِ، قال: أعدْ، فأعدتُ: ” واللهُ غفورٌ رحيمٌ “، ثم تنبهتُ، فقلتُ: (واللهُ عزيزٌ حكيمٌ) فقال: الآن أصبْتَ، فقلتُ: أتحفظُ المائدةَ؟ قال: لا . فقلتُ: كيف عرفتَ؟ قال: يا هذا (عزيزٌ حكيمٌ) فأمرَ بالقطعِ، فلو غفرَ ورحمَ لما أمرَ بالقطعِ. انتهى. فقد فهمَ الأعرابيُّ الأميُّ أنّ مقتضى العزةِ والحكمةِ غيرُ مقتضى المغفرةِ والرحمةِ، وأنّ اللهَ تعالى يضع ُكلَّ اسمٍ موضعَهُ من كتابهِ. ” ( تفسير المنار ) .
فدراسةُ ومعرفةُ اللغةِ تحفظُ العقولَ والأفهامَ من الوقوعِ في الخطأِ، أو الفهمِ المضادِ للنصِّ، وَمِمَّا يذكرُ فِي هَذَا السِّيَاق ” مَا رَوَاهُ أحد اللغويين، قَالَ: مَرَرْتُ فِي طريقيِ فَرَأَيْتُ جَنَازَةً تُشَيَّعُ، وَسمعتُ رجلًا يسْأَل: من المتوفِّي (بِالْيَاءِ وكَسرِ الفَاء) فَقلتُ لَهُ: اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَضُرِبتُ حَتَّى كِدتُ أَمُوت.” (درة الغواص في أوهام الخواص – للحريري). لهذا الموقفِ وغيرهِ عكفَ كثيرٌ من النحاةِ واللغويين على دراسةِ علومِ النحوِ واللغةِ؛ حفاظًا على لغةِ القرآنِ الكريمِ، وصيانةً للسانِ من الوقوعِ في الخطأِ .
ثالثًا: دعوةٌ إلى الحفاظِ على الهويةِ.
أيها الإخوةُ المؤمنون: هذه دعوةٌ إلى الحفاظِ على هويتِا العربيةِ، لأنَّ اللغةَ هي تعبيرٌ عن كيانٍ وروحٍ، والعربيةُ هي تعبيرٌ عن كيانِ وروحِ وهويةِ الدينِ، لذلك كَرِهَ العلماءُ الرطانةَ بغيرِ العربيةِ دونَ حاجةٍ، بل قال مالكٌ: مَن تكلَّمَ في مسجدِنَا بغيرِ العربيَّةِ فأَخرِجُوهُ منهُ، وقد رأى سيدُنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رجلينِ وهما يَتَرَاطَنَانِ في الطوافِ، فعلاهُمَا بالدِّرَّةِ وقال: «لا أمَّ لكُمَا، ابتغِيَا إلى العربيةِ سبيلًا». (مصنف عبدالرزاق). وكان ابنُ عمرَ رضي اللهُ عنهما يضربُ أولادَهُ على اللَّحنِ ولا يضربُهُم على الخطأِ. وضربَ عليٌّ رضي اللهُ عنه الحسنَ والحسينَ على اللَّحنِ.
لذلك يجبُ الحفاظُ على هويتِنَا العربيةِ، ولا بدَّ مِن النظرِ إلى اللغةِ العربيةِ على أنّها لغةُ القرآنِ الكريمِ والسنةِ المطهرةِ، ولغةُ التشريعِ الإسلاميِّ، بحيثُ يكونُ الاعتزازُ بها اعتزازًا بالإسلامِ وتراثهِ الحضاريِّ العظيمِ، فهي عنصرٌ أساسيٌّ مِن مقوماتِ الأمةِ الإسلاميةِ والشخصيةِ الإسلاميةِ، والنظرُ إليها على أنّها وعاءٌ للمعرفةِ والثقافةِ بكلِّ جوانِبِهَا، ولا تكونُ مجردَ مادةٍ مستقلةٍ بذاتِهَا للدراسةِ؛ لأنَّ الأمَّةَ التي تُهملُ لغتَهَا أمةٌ تحتقرُ نفسَهَا، وتفرضُ على نفسِهَا التبعيةَ الثقافيةَ. يقولُ الرافعيُّ – رحمهُ اللهُ -:” وما ذلّتْ لغةُ شعبٍ إلّا ذُلّ، ولا انحطتْ إلّا كان أمرُهُ في ذهابٍ وإدبارٍ، ومِن هذا يفرضُ الأجنبيُّ المستعمرُ لغتَهُ فرضًا على الأمةِ المستعمرةِ، ويركبُهُم بها، ويشعرُهُم عظمتَهُ فيهَا، ويستلحقُهُم مِن ناحيتِها؛ فيحكمُ عليهم أحكامًا ثلاثةً في عملٍ واحدٍ. أمّا الأولُ: فحبسُ لغتِهِم في لغتِهِ سجنًا مؤبدًا. وأمّا الثاني: فالحكمُ على ماضيهِم بالقتلِ محوًا ونسيانًا. وأمّا الثالثُ: فتقييدُ مستقبلهِم في الأغلالِ التي يصنعُهَا، فأمرُهُم مِن بعدِهَا لأمرِهِ تبعٌ “.( وحي القلم).
فالعزةُ كلُّ العزةِ في اعتزازِنَا بلغتِنَا وهويتِنَا .يقولُ عمرُ بنُ الخطابِ – رضي اللهُ عنه -:” إِنَّا كُنَّا أَذَلَّ قَوْمٍ، فَأَعَزَّنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ ، فَمَهْمَا نَطْلُبُ الْعِزَّةَ بِغَيْرِ مَا أَعَزَّنَا اللَّهُ بِهِ أَذَلَّنَا اللَّهُ ” .( الحاكم وصححه ووافقه الذهبي) .
إنّ تمسُّكَنَا بلغتِنَا وهويتِنَا العربيةِ يجعلُنَا كبارًا في أعينِ الآخرين، يقولُ ابنُ شبرمةَ: «إذا سرَّكَ أنْ تعظمَ في عينِ مَن كنتَ في عينه صغيرًا، أو يصغرَ في عينِكَ مَن كان فيها كبيرًا، فتعلمْ العربيةَ ” (الآداب الشرعية لابن مفلح).
فيجبُ على كلِّ مسلمٍ التمسكُ باللغةِ العربيةِ ، لغةِ القرآنِ الكريمِ، والحفاظُ عليها مِن كلِّ تحريفٍ أو زيفٍ ، ولنعلمَ تمامَ العلمِ واليقينِ أنّ اللهَ – سبحانَهُ وتعالى – حافظٌ كتابَهُ ودينَهُ، قال تعالى:{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}. (الحجر: 9)، وَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: « يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ ».( البيهقي في الكبرى).
فعلينا أنْ نعرفَ أهميةَ هذه اللغةِ ومكانَتَهَا، وأنْ نربيَ أولادَنَا على منزلةِ ومكانةِ اللغةِ العربيةِ لغةِ القرآنِ الكريمِ ، وأنْ ندرَّبَهم ونعودَهُم عليها ؛ لأنّهُ لا غنَى لنَا عنهَا، كما يجبُ أنْ نعتزَّ بها لا بغيرِهَا، وعلينا أنْ نعلمَ أنَّ اللغةَ بحرٌ لا تكفي السباحةُ فيه، بل أنْ نغوصَ في مكنونِهِ، ونستخرجَ منهُ المعاني الجميلةَ والبديعةَ التي تصنعُهُ وتلبسُهُ لباسًا جذابًا.
إنَّ اللغةَ العربيةَ تعملُ على التآلفِ والتقاربِ بينَ القلوبِ مهمَا تباعدتْ الأجسادُ، وصدقَ الشاعرُ حيثُ يقولُ:
لغـةٌ إذا وقعـتْ عـلى أسماعِنَا ……….. كانتْ لنَا برداً على الأكبادِ
سـتظلُّ رابطـةً تؤلّـفُ بينَنَا ………….. فهيَ الرجـاءُ لناطـقٍ بالضّادِ
وتقاربُ الأرواحِ ليـسَ يضـيرهُ ……….. بينَ الديارِ تباعـدُ الأجسـادِ
نسألُ اللهَ أنْ يحفظ َ دينَنَا وَلُغَتَنَا ومصرَنَا وبلادَنَا من كلِّ مكروهٍ وسوءٍ،،،