السماسيري ينشر كتاب نظرية الخطاب( الفكر) الإسلامي : قراءة علمية تأسيسة .. بالمجان
د. محمود يوسف استاذ جامعي الناشر والمؤلف كتاب نظرية الخطاب( الفكر) الإسلامي : قراءة علمية تأسيسة . اكاديمي وباحث في الاعلام و الفكر الاسلامي واستاذ الاعلام المشارك بجامعة سوهاج بمصر https://youtu.be/5n3D9q-N0kM
يسعي هذا الكتاب إلى طرح تصور لسبل إعادة بناء الفكر الإسلامي على النحو الذي يمكنه من قيادة أمة الإسلام
ما حاولنا فهم علل هذه الوضعية سوف نجد أنفسنا في حاجة للإجابة علي تساؤلات ثلاثة هي:
أول هذه التساؤلات هو: أنّى لهذه الوضعية أن تهيمن على أمة الإسلام على الرغم من أنها أمة القرآن الذي جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور.. القرآن الذي وصفها الله فيه بأنها (خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران: 110] وكلفها أن تقوم بالشهادة عليهم (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) [البقرة: 143] وهو ما لن يتسنى لها أن تقوم به على الوجه الأمثل إلا إذا احتلت موقع الصدارة بين أمم الدنيا؟
وبالطبع لا يمكن لمسلم عاقل أن يماري أن ثمة خللا ما يقف وراء هذه الوضعية … كما لا يمكن له أن يماري في براءة الدين من ذلك الخلل… وأنّى له أن يماري في دين قاد أتباعه من الصحابة والتابعين – وهم حينئذ قله في العدد والعتاد–إلى إنارة معظم أرجاء الدنيا في سنوات قليلة.. غير أن عدم المماراة في هذه الحقيقة يفرض علينا طرح ثاني تلك التساؤلات ألا وهو: إذا كان الإسلام قاد اتباعه في سنوات قليله لتحقيق كل ذلك.. فلماذا لا يقود أمته في عصرنا هذا إلى المكانة التي احتلتها سلفا.. رغم سلامته كدين ورغم كثرة عدد أتباعه الذي يناهز ربع البشرية، وضخامة مواردهم الطبيعية التي تمتد على مساحة تقارب ربع مساحة الدنيا؟
ألا يدلل ذلك علي أن ثمة خللا ما لا يمكن إنكاره.. خلل يفرض علينا تساؤلا ثالثا- وهو تساؤل حتمي – هو أين يكمن موضع ذلك الخلل؟
والواقع أنه إذا كان طرح ذلك التساؤل حتميا فإن الإجابة التي يمكن تقديمها على هذا التساؤل هي أيضا إجابة حتمية لا مجال أمام العقل المجرد أن يحيد عنها… ألا وهي أن موضع الخلل والقصور لا يمكن إلا أن يكون في فهم المسلمين للدين ذاته.. ذلك الفهم الذي يتجلي في كل ما تطرحه الخطابات التي تحتل ساحة الفكر الإسلامي، وهي خطابات يكاد يدعي كل منها امتلاك الفهم الصحيح والمتكامل للإسلام.. وهو الادعاء الذي قد يصل ببعض هذه الخطابات لأن تذهب إلي أنه لا مناص أمام من أراد أن يكون من الفرقة الناجية يوم القيامة من اتباع ما يمليه عليه فهم دعاة هذا الخطاب دون سواه للإسلام.. والواقع أنه لو كان أيِ خطاب من هذه الخطابات صادقا في ادعائه بامتلاك الفهم الصحيح والمتكامل للإسلام لتمكن اتباعه – كما تمكن الصحابة والتابعون عندما امتلكوا هذا الفهم الصحيح والمتكامل- من إنارة أغلب أرجاء الدنيا في عقود قليلة.. وهم كما أشرنا سلفا قلة في العدد والعتاد.
وهكذا فإن مثل هذه الإجابة تضعنا أمام نتيجة حتمية لا مفر منها، ألا وهي أن الخلل الذي يعرقل حركة الأمة، ويكاد يشل قدرتها على القيام بالمهام المنوطة بها في هذا الوجود مرده إلى ذلك الفهم – الذي يطرحه هذا الخطاب أو ذاك – للسبل التي رسمها الإسلام لحركة أمته في هذا الوجود.
وإذا كان ما أصاب الأمة من ضعف وتمزق هو تجلي لإخفاق تلك الخطابات على مستوي مسيرتها الكلية، فإن تجلي إخفاق هذه الخطابات على مستوي مسيرة أفرادها في حياتهم اليومية هو أمر يصعب إنكاره ويطرح بدوره تساؤلات ثلاثة:
أول هذه التساؤلات.. إذا كان إسلام أي إنسان لا يصح إلا إذا سّلم بأن الوحي الإلهي- الذي يحدد له الملامح الأساسية لمنطلقاته وغاياته ووسائلة في تحقيق غاياته في هذا الوجود – هو حق علوي مطلق، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فلمَ لا نلمح للفهم الذي تطرحه تلك الخطابات السائدة ما ينبغي لها من هيمنة تامة علي فكر، ومن ثم سلوك، من يعتنق الإسلام ديناً؟
ثاني هذه التساؤلات: لمَ لا نجد أن كل من يعتنق الإسلام ديناً يتبنى التصورات التي تطرحها هذه الخطابات للغايات التي عليه أن يسعى إلي تحقيقها في كل حركة من حركاته وسكنة من سكناته.. وهي تلك الغايات التي تحمل أعلي قدر من المصلحة التي يمكن أن يحققها إنسان في هذا الوجود.. في الدنيا والآخرة؟
ثالث هذه التساؤلات : لمَ نجد أن الهيمنة الحقيقية علي مسالك أغلب من يعتنقون الإسلام دينا لغايات وأهداف لا تحقق لهم إلا مصالح ورغبات وقتية وقاصرة مستمده في جلها – بوعي أو بدون وعي – من خطاب علماني يحصر هم الإنسان في حيز هذه الدنيا دون أي اعتبار لليوم الآخر؟
هل ثمة إجابة علي مثل هذه التساؤلات سوي أن إخفاق الخطابات – والتي تحمل عبء التنظير لسبل تحقيق غايات الإسلام في هذا الوجود – في كسب التأييد للتصور الذي تطرحه، أيا كان قدره ومجاله، لحساب خطاب آخر مغاير هو دليل علي ضعف ناجم عن خلل ما يدب بين أوصال هذه الخطابات.. ضعف جعل قدرتها علي إقناع مستقبليها بتبني التصور الذي تطرحه لغايات الإسلام – ومن ثم اتباع ما تمليه من مسالك لتحقيق هذه الغايات – أدني من أن يحظي بالتبني.. ضعف جعل خطابا واهيا في معارفه وغاياته – هو الخطاب العلماني بطروحاته المختلفة – يحظي بالتبني من قبل جل أبناء المجتمع المسلم.. تبنيا حتى وإن لم يتجلَ في أفكارهم.. فإنه يتجلى، على نحو لا تخطئه عين، في مسالكهم.
ثمة خلل جلي في بنية تلك الخطابات إذن.. وثمة حاجة ملحة لتلمس ملامح وعلل هذا الخلل، وثمة حاجة بعدها لترسيم سبل تجاوز ذلك الخلل..والواقع أن القيام بهذه المهام الجلل ينبغي أن ينبني على أسس علمية رصينة حتى تنجو من وهدة الخلاف المدمر.. وبالطبع لا يمكن الادعاء أن الطرح الذي نقدمه في هذا الكتاب يمكن أن يحقق كل ذلك.. إلا أن ما نستطيع أن نقدمه هنا عبر صفحات هذا الكتاب هو تأصيل لنظرية جديدة تسعي الي طرح تصور لكيفية تأسيس وبناء الخطاب(الفكر) الإسلامي علي أسس جديدة.. هذه النظرية يمكنها أن تسهم في تحقيق هدفين اثنين:
أولهما: تحديد مكامن الخلل الذي يسري في أوصال الخطابات الإسلامية القائمة.
ثانيهما: ترسيم السبل التي يمكن خلالها بناء خطاب إسلامي جديد قادر على تجاوز هذا الخلل.
ورغم أن ما تطرحه هذه النظرية وليد لجهد علمي استمر أكثر من عشر سنوات متواصلة، إلا أنه لا يمكن الادعاء أن هذه النظرية قد بلغت حد الكمال..فهي وإن كانت تسعي لتمكين العقل المسلم من الوقوف علي حقيقة الخلل الذي أصاب طروح الخطابات الإسلامية التي تحتل ساحة الفكر الإسلامي . إلا أن ما تضعه من شروط لإقامة خطاب إسلامي بديل يتجاوز ما يتعاور تلك الخطابات من خلل، يتطلب أن يتآزر لفيف من المفكرين والعلماء المسلمين معا لبناء ذلك الخطاب المتكامل القادر علي تجاوز هذا الخلل . ذلك لأن بناء مثل هذا الخطاب الذي يرسّم- وعلي نحو متكامل- للأمة منطلقاتها وغاياتها في هذا الوجود، والوسائل التي تمكنها من تحقيق هذه الغايات.. بشتى أبعادها الأخلاقية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والإعلامية وغيرها من الأبعاد التي تغطي شتي مناحي حياة الفرد والمجتمع المسلم… إن بناء مثل هذا الخطاب لا يمكن أن يقوم به مفكر أو عالم بمفرده مهما أوتي من علم وقدرة.. وإنما يحتاج إلى قيام بنية مؤسسية ضخمة تضم تحت لوائها هؤلاء المفكرين والعلماء المتخصصين في شتي العلوم التي يتطلبها بناء مثل هذا الخطاب..بنية تجعل جهودهم جهودا مخططة ومتكاملة.. كل جهد منها يسعي لان يضع لبنة محددة سلفا وبدقة في بناء هذا الخطاب الكل